والقول إذ هو أخف موجد منا وأسرعه إيجاداً، ولفظ:" كن " لعموم معناه، واختصار [لفظه]، ثم قال:" فيكون "، تنبيها أنه لا يمتنع عليه شي يريد إيجاده، وكن فيكون، وإن كان مخرجها مخرج شيئين أحدهما مبني على والآخر، فهو في الحقيقة شيء واحد ونحوه قولنا: فلان إذا أراد شيئاً فقد كان ما أراد، واختلق في تفسير هذه الآية من حيث إن " كن " لفظ أمرا والأمر لا يكون إلاً لموجود، فبعض قال:" لفظ الشر مخصوص " ههنا للموجودين الذين قال لهم: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} وبعض قال: (هو خطاب لمن يجيبهم من الوتى)، وبعض قال: هو أمر للشيء في حال تكونه لا قبله ولا بعده، وبعض قال: هو أمر لمعلوم له، وذلك في حكم الموجود وإن كان معدوم الذات وبعض قال:" هو أمر للمعدوم "، قال: ويصح أمرا لمعدوم، كما يصح أمراً لموجود، وبعض قال:" إنه جعل " كن " دلالة للملائكة على ما يتقضيه من الأفعال "، وأكثر هذه الأقوال يتبين وهنه بتصور ما تقدم ...
اليقين أبلغ علم وأوكده، وهو أن يكون عالم بالشئ، وعالماً بأنك تعلمه غير شاك ولا متهيئ للشك، ولذلك قيل: هو المعلوم الذي زالت عنه المعارضة على مرور الأوقات، وإنما لم يوصف الباري تعالى به من حيث أنه لا يستعمل إلا في العلم المكتسب، ولهذا قال تعالى في صفة إبراهيم- عليه السلام {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}، ويعني بالذين لا يعلمون الكافرين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقول ابن عباس:" هم اليهود "، وقول مجاهد:" النصارى "، وقول الحسن وقيادة: " هم مشركو العرب كله محتمل ويصح أن يكونوا جميعاً مرادين، فقد قال الله:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ} ومشركو