قوله استوقد ناراً، واختصر، ولو بسط الكلام، لقيل:" فلما اضاءت ما حوله ذهب الله بنارهم ذهابه بنورهم وقد قيل: إن ذلك يرجع إلى المشبه به، وأن الذي قد يستعمل في الجميع كاستعماله في الواحد - استدلالاً بقول الشاعر:
فإت الذي خانت بفلج دماءهم هم القوم، هم فقال: استوقد رداً إلى لفظ الذي ثم قال بنورهم رداً إلى معنى الجمع، وإنما قال على هذا " بنورهم " ولم يقل " بنارهم "، لأن المراد من النار ههنا النور الذي يضئ لهم الطريق فتركه إياهم في ظلمات إنما هو لتركهم إياه في قبول التوفيق منه، فلما تركوه تركهم كما قال تعالى:{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}، وإنما قال: في " ظلمات " لأنه عنى ظلمة ضلال لهم، وظلمة همومهم في الدنيا، وظلمة يوم القيامة التي تنزه عنها الموصوفون بقوله تعالى {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}، وقوله - عز وجل - {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} والصم صلابة من اكتناز الأجزاء، ومنه قيل: حجر أصم، وصخرة صماء، أو قناة صماء، وقيل لرأس القارورة " الصمام " والبكم: اعتقال اللسان وأصله فيمن يولد أخرس والعمي يقال في عدم البصيرة والبصر، جميعاً، فمن ترك الإصغاء إلى الحكمة وأعرض عن طريق الآخرة واشتغل عن تعرف حالها ولم ينعم تدبرها صح أن يستعمل هذه الألفاظ فيه، فيقال: هو أصم عن سماعه، وأبكم عن تعرفه، وأعمى عن إدراكه، ومالآية مبنية على الآية الأولى، ومفسرة بحسب تفسيرها، وقوله {لَا يَرْجِعُونَ} أي لا يعودون إلى طريقة الرشد، وقيل معناه: " لا يرجعون جواباً " أي لا يردونه.
الصيب: فيعل من " صاب " يصوب، وذلك يقال للسحاب والمطر وإن كان الصيب في السحاب أكثر، والصوب يقال في المطر، وكأن المطر تسمي صوباً لمجيئه على الصواب إما اعتباراً بالوقت المحتاج إليه فيه، وإما بالقدر المعتدل على حسب قوله تعالى:{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} وعلى طريقه نظر من وصف المطلر بقوله ..