وقال تعالى لهذه الأمة:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، فقال بعض المحققين في اعتبار الآيتين دلالة على تشريف هذه الأمة في أنه لما خصهم بفضل فهم وعقل، أمرهم بذكره بلا واسطة، وأمر بني إسرائيل أن يجعلوا ذكر الآية وصلة إلى ذكره، وذلك فصل قد أحكم في كتاب:(شرف التصوف)، وقوله:" فارهبون "، تقديره: ارهبوني، فحذف الياء لدلالة الكثرة عليه، وكون الفواصل كالقوافي، وفائدة تكرير الضمير توكيد للحث على رهبته، وأنها لا يجوز أن تكون إلا منه تعالى دون غيره، ومثله في تذكيرهم نعمة الله تعالى ما حكاه تعالى عن موسى قال لهم:{اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ}
قد تقدم أن الإيمان مقتض للعلم اليقيني، ففي ضمن قوله تعالى:{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} حث على استفادة العلم، إذ لا يحصل الإيمان الحقيقي من دونه، ونبه بقوله تعالى:{مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} أن لا منافاة بين ما أتى به الأنبياء من أصول العبادات، وأنهم كنفس واحدة من حيث يتساوى دعاؤهم إلى التوحيد والأركان الثلاث من الشرائع التي هي العبادات الخمس وأحكام الحلال والحرام والمزاجر، وإنما الاختلاف بينهم في جزئيات الأحكام وفروعها كيفما تقتضيه مصلحة قوم وزمان، فكل مصدق للآخر فيما أتى به من أن كليات شرائعهم متساوية، وأن فروعها حق بحسب الإضافة إلى زمان كل واحد منهم، وأمته حتى لو كان أحدهم في زمن الآخر لم ير المصلحة إلا فيما أتى به الآخر، ولذلك قال عليه السلام:" لو نشر موسى بن عمران لما وسعه إلا اتباعي "، وقوله:{وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أي لا تكونوا أئمة في الكفر، فيقتدي بكم تباعكم، فتكونوا لأوزاركم وأوزارهم، كما قال تعالى