عيسى - عليه السلام بالمعجزات الباهرة فكذبوه، وقوله:{فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} يصح أن يكون معطوفا على قوله {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} ويكون قوله {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ} فصلا بينهما على سبيل الإمكان عليهم، ويصح أن يكون معطوفا على قوله:] " استكبرتم "، وقوله:{أَفَكُلَّمَا} استئناف وبين باتباعهم الهوى غاية معانيهم، فإن متبعه مخطئ وإن أصاب، فالإصابة منه على غيره اعتماد، إذ هو كالبهيمة المتناولة لما تدعو إليه شهوتها صواباً كان أم خطأ، ثم زاد في ذمهم بوصفهم بالاستكبار إذ هو مقر النقائص، فإنه نتيجة الإعجاب، والإعجاب نتيجة الجهل بالنفس والجهل بالنفس مقارن للجهل بخالقها، ولذلك قال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}
إن قيل: لم قال: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} وهلا جعلا ماضيين أو مستقبلين؟ قيل: أما من حيث اللفظ، فلأنه لما لم يكن يفسد المعنى روعي فيه المجانسة بين الفواصل ليكون اللفظ أحسن، وأما من حيث المعنى: فللتنبيه أنهم لم يتوقفوا في تكذيب من جاءهم من الأنبياء، فذكره بلفظ الماضي، إذ لا مزاولة فيه، وذكر القتل بلفظ الاستقبال تنبيهاً أنهم يزاولون قتله قدروا عليه أم لم يقدروا.
أصل الغلف ستر الشيء بالشيء الذي يجعل فيه، ومنه غلفت السيف والسرج والرحل واللحية بالغالبة، والأغلف الأقلف لكون ذلك منه في غلاف من غلفته أي قلفته وعزلته، فقوله:(غلف): قيل هو جمع غلاف وأصله غلف، فخفف، وقرئ غرف ككتب وقيل: هو جمع أغلف، فعلى الأول قيل معناه: قلوبنا أوعية للعلم لا تسمع علماً إلا وعته إلا ما تقول، بمعنى أن ما يقوله ليس بعلم، وعلى الثاني