النسك: غاية العبادة، والناسك الأخذ نفسه ببلوغ قاصيتها حسب طاقته، وسمي أعمال الحج المناسك ثم خص الذبيحة بالنسك وتعورف فيه حتى قيل نسك فلان أي ذبح وقيل للذبيحة نسيكة ولم يعن بالمسلم ههنا من حقن دمه بالشهادتين، كما ظن بعضهم وقال هذا دعاء بما علم كونه لهما لا محالة، وإنما عنى من ليس في فلبه تعظيم الله معه، وهو المعنى بالمضروب له المثل في قوله:{وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} وبقوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} وقوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} وهذه قاصية الإيمان، ونبه تعالى بالآية أن من حق الإنسان أن يكون مع تحري الحق لا ينفك من التضرع إلى الله - عز وجل - بإرشاده وتوفيقه، ومن طلب أن يتوب عليه من ذنب عسى إن كان منه وهو غافل عنه
فإن قيل: ولم قيد؟ فقال:(ومن ذريتنا، أمة مسلمة لك) ولم يعمم؟ قيل إن هذه منزلة شريفة لا يكاد يتخصص بها إلا الواحد فالواحد في برهة بعد برهة، وعلم أن الحكمة الإلاهية لا تقتضي ذلك، فإنه لو جعل الناس كلهم كذلك لما تمشى أمر العالم إذ كان العالم يفتقر إلى كون أفاضل فيها وأوساط وأراذل لتولي عمارته والقيام بتمشية أموره فقد قيل: عمارة الدنيا بثلاثة أشياء، أحدها الزراعة والغرس، والثاني: في الحماية والحرب، والثالث جلب الأشياء من مصر إلى مصر، وأنبياء الله لا يصلحون لذلك إذ كانوا بغرض أخر أشرف من ذلك ولهذا قيل:" لولا الحمقى لخربت الدنيا " وإنما عني بالحمقى المعنيون بأمر الدنيا بإضافته إلى المعنيين بأمر الآخرة، ولذلك قال {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}