قد تقدم أن الحكمة معرفة الموجودات، وفعل الخيرات بقدر طاقة البشر، وذاك عام فيما يدرك بالعقل وبالوحي، وإن كان قد خص في بعض المواضع بما يدرك بالعقل في نحو قوله:{وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، فقول ابن عباس:" الحكمة هاهنا: علم القرآن ناسخه، ومحكمه، ومتشابهه "
وقول ابن زيد:" إنها علم آياته وحكمه ومتشابه " وقول السدى أنها النبوة، وقول إبراهيم: إنها الفهم، وقول غيرهم إنها الخشية كلها صحيح وإشارة إلى أبعاضها، ومن قال: عنى بالخير الجنة ومن قال: هو العلم الظاهر والباطن فصحيح، والحكيم يقال بمعنى الفاعل والمفعول نحو:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أي محكم ثم بين أن حقيقة ذلك لا يتذكرها إلا أولوا الألباب وقد تقدم حقيقة اللب وماله من المزية على مقتضى لفظ العقل، وإليه أشير بقوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} وأما من قال: " كل مكلف ذو لب " حاصل له فبعيد عن معرفة حقيقته وما تقدم يغني عن بسط القول فيه هاهنا.