لما أثنى الله في غير موضع على المنفقين وحث على الإنفاق، نحو قوله:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، وقوله:{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} سألوا عنه ههنا -،
إن قيل: ليس جوابهم طبقة لسؤالهم فإن سؤالهم عما ينفق، والجواب عمن ينفق عليه قيل: في ذلك جوابان، أحدهما أنهم سألوا عنهما وقالوا: ما ينفق؟ وعلى من ينفق؟ ولكن حذف في حكاية السؤال أحدهما إيجازا، ودل عليه الجواب بقوله:{مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ}، كأنه قيل: المنفق هو الخير، والمنفق عليهم هؤلاء، فلفف أحد الجوابين في الآخر، وهذا طريق معروف في البلاغة، والجواب الثاني أن السؤال ضربان سؤال جدل وحقه أن يطابقه جوابه لا زائدا عليه ولا ناقصاً عنه، وسؤال تعلم، وحق المعلم أن يصير فيه كطبيب دقيق يتحرى شفاء سقيم، فيطلب ما يشفيه طلبه المريض، أو لم يطلبه فلما كان حاجتهم إلي من ينفق عليهم كحاجتهم إلى ما ينفق بين لهم الأمرين،
إن قيل: كيف خص هؤلاء النفر دون غيرهم؟
قيل: إنما ذكر من ذكر على سبيل المثال لمن ينفق عليهم لا على سبيل الحصر والاستيعاب، إذ أصناف المنفق عليهم على ما قد ذكرهم في غير هذا الموضع، ولما كان المندوب إلى الإنفاق عليهم صنفين صنف لهم فرض معين في مال الأغنياء، وصنف لا فرض لهم معيناً ذكر الأبوين والأقارب تنبيها أن حقهم واجب، وقوله:{مِنْ خَيْرٍ} أي من مال، فسمي المال خيرا تنبيها أن الذي يجوز إنفاقه هو الحلال الذي يتناوله اسم الخير، كما قال:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} ثم بين تعالي أن كل ما يفعلونه لا يخفى عليه على الوجه الذي يفعلونه، [تنبيها أنه يجازى به] نحو قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}