فشبه الناقة بالوحشية ثم ذكر أنها مسبوعة مخذولة، ولا اختصاص للناقة بهذا الوصف.
والثاني: أنه شبه ما أتى الله الإنسان من المعاون التي هي سبب الحياة الأبدية بالصيب الذي فيه خياة كل ذي حياة، وما فيه من المشاق المبهمة والعوارض المشكلة بظلمات، وجمع الظلمات تنبيهاً على كثرة العوارض، وشبه ما فيه من الوعيد بالرعد، وما فيه من الآيات الباهرة بالبرق، ثم ذكر كل واحد من هذه الأشياء فقال: إذا سمعوا وعيداً تصاموا عنه كحال من تهوله الرعد فيخاف من صواعقه، فيسد أذنه عنها مع أنه لا خلاص لهم منها وهذا معنى قوله:" الله محيط بالكافرين "، ثم ذكر أنه إذا رأوا لامعاً لهم إما راشد تدركه بصائرهم وإما رفداً ينفعهم اهتزوا له، فمضوا بنوره وذلك قوله " كلما أضاء لهم مشوا فيه "، ثم بين أنه إن اعترض لهم شبهة أو عن لهم مصيبة تحيروا، فوقفوا، وذلك معنى قوله {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} وقوله {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} تنبيهاً على أنهم يصرفون أسماعهم وأبصارهم عما فيه نجاتهم وتأمل ما فيه صلاحهم وإنما جعل الله لهم السمع والأبصار لينفعهم ولو شاء الله لجعلهم بالحالة التي أنفسهم عليها يسدهما وتعطيلهما، وذلك تنبيه على أنه إنما أعطاهم هذه الآلات لينتفعوا بها.
قد تقدم أن " الناس " يستعمل على وجهين أحدهما المشار به إلى الصورة المخصوصة، وذلك عام في الصغير والكبير، والعاقل وغير العاقل، والثاني المشار به إلى المختص بقوى العلم والعمل المحكم وهو المستعمل على طريق المدح، ولذلك يقال: فلان أكثر إنسانية من فلان، لاختصاص هذا المعنى بقبول الزيادة والنقصان، وهذا المعنى هو المراد في هذا الموضع، والعبادة نهاية التذلل في الخدمة وبذل الطاعة وذلك في مقابلة أعظم النعم، ولا يستحقها غير الله تعالى، فهو الذي له أعظم النهم، و " العبادة " تقال في ثلاثة أشياء: اعتقاد الحق، وتحري الصدق، وعمل الخير، وعبادة الله قد يكون في فعل المباحات كما يكون في أداء الواجبات وذلك إذا قصد بالفعل وجه الله وتحرى به مرضاته.
وقد قال بعض الحكماء:" مباحات أولياء الله كلها واجبات " وواجباتهم نوافل " فقيل كيف يكون ذلك؟ قال: لأنهم لا يقومون على تناول مباح لهم كالأكل والشرب حتى يضطروا إليه، فيصير تناولها متحتماً ويلتزمون من الفرائض فوق ما يلزمهم حتى يصير فرضهم متنفلاً، وبهذا النظر قيل