قدر الاستحقاق تجاوزه أم لم يتجاوزه، وأصله الطلب، واستعمل في التكبر، لأن المتكبر طالب منزلة ليس لها بأهل، والعمة في البصيرة كالعمي في البصر، وهو التردد في الضلالة، يقال رجل عامة وعمه، فقوله تعالى:{فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يصح أن يتعلق بقوله: نمدهم فيكون ذلك عبارة عن خذلانهم عن توفيقه لهم، لا لبخله عليهم، بل لسدهم طريقه على أنفسهم بإعراضهم عنه، ويصح أن يتعلق بقوله:{يَعْمَهُونَ}، ومعناه: يمدهم استصلاحاً لهم، وهم مع ذلك يعمهون [في طغيانهم ومثله معنى وتقديراً قوله:{وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}]
* * *
قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} الآية (١٦) - سورة البقرة.
المبايعة ضربان: مبايعة سلعة بناض، فيقال لدافع السلعة: بايع، ولدافع الناض مشنري، ومبايعة سلعة بسلعة أو ناض بناض، ويصح أن يقال لكل واحد منهما بائع ومشتري، ولذك بحسب ما يتصور في الثمن والمثمن فأي السلعتين تصورتها بصورة الثمن فأخذه بايع، والآخر مشتري، ولهاذ الشأن صار البائع والمشتري من الأسماء المشتركة المعدودة في باب الأضداد والمشاراة وإن كانت موضوعة لمعاملة في أعيان على وجه مخصوص فقد يتحرز بها في كثير من المعارضات فيقال لمن أفرح عن شيء في يده مخصلاً به غيره قد باعه به، وقد يقال لمن رغب عن شيء طمعاً في غيره.
وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} الآية - ومعناه: أراد منهم أن يبذلوا مهجهم وأموالهم في سبيله، فيجعل لهم بذلك الجنة، فسمي ذلك شري، وقد تقدم أن الهدي يقال على أربعة أوجة: الأول: لما جعله الله للإنسان بالفطرة، والثاني: لما جعله له بالوحي، والثالث: لما يكتسبه الإنسان بالفكر والنظر والعمل والرابع: زيادة الهدي في الدنيا، وطريق الجنة في الآخرة، فكذلك.
الضلال على أربعة أوجه مقابل للهداية، فالأول: إضاعة الإنسان ما جعله الله له بالفطرة من العقل الغزيزي، وذلك بأن لا يزكيه كما قال تعالى:{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.
والثاني: إضاعته لما أنزل الله تعالى على ألسنة الأنبياء.
والثالث: لما يكتسبه الإنسان بالفكر والنظر والعمل.
والرابع: أن يترك ما يستحق به زيادة الهدي في الدنيا والثواب في الآخرة، وقد علم من هذا أن من الضلال ما هو