يصف من حصل له التمكن من الشيء الترشح له بذلك الشيء كتميتهم العصير خمراً، الصبي ناطقاً، والنائم عالماً قد تقرر في عقل كل عاقل إذا تأمل أدنى نظر أنه لابد للموجودات من موجد لها يخالفها، يصح أن يقال لهم:" أنتم تعلمن " وبهذا الوجه قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} ومعلوم أنهم لا يقولون ذلك إلا بأدنى تأمل واعتبار.
قد تقدم الكلام في الريب، وأما الفرق بين الشك والمرية، والريب والأرابة، والتخمين والحدس، والوهم والخيال، والحسبان والظن، فإنه يذكرها هنا إذا كانت معرفته نافعة، فنقول: وبالله التوفيق: إن الشك هو وقوف النفس بين الشيئين المتقابلين بحيث لا يترجع أحدهما على الآخر بأمارة، والمرية هي التردد في المتقابلين، وطلب الإمارة مأخوذ من بري الضرع، أي منحه للدر، فكأنه يحصل مع الشك تردد في طلب ما يقتضي عليه الظن.
والريب أن تتوهم في الشيء أمراً ما، ثم ينكشف عما توهمت فيه، والأرابة أن تتوهمه، فينكشف بخلاف ما توهمت، ولهذا قيل:" القرآن فيه أرابة وليس فيه ريب "، والتخمين توهم لا عن إمارة.
والحدس إسراع الحكم بما لا يأتي به الهاجس من غير توقف فيه مأخوذ من حدس في سيره، أي أسرع والوهم صورة تتصورها في نفسك سواء كان لها وجود من خارج كصورة إنسان ما، أم لم يكن له وجود كعنقاء مغرب، وغزائل، والخيال تصور ما أدركه الحاسة في النفس.
والحسبان: اعتقاد عن أمارة اعتددت به، سواء كان له وجود في الحقيقة، أو ولم يكن وهو مشتق من حسبت الحساب، والظن: أعم معنى من ذلك كله فإنه اعتقاد عن أمارة ما مما قد ثبت، فمتى كانت تلك الأمارة ضعيفة جرى مجرى " خلت