وذلك أن الشيئين قد يشتركان في الجوهر، ثم يختلفان في فصل ما، كالإنسان والفرس فإنهما مشتركان في الحيوانية، ومنفصلان في كثير من المعاني فمن اعتبر في مثل ذلك ما بينهما من الفصل قال: الند: هو الضد أو المخالف لأن أهل اللغة يطلقون الضد على المتقابلين، وعلى المختلفين كثيراً على ما يدل عليه كلامهم في الأضداد، وقوله:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} عام في النهي عن الشرك المطلق وعن الدقائق المؤدية إلى الشرك المنبأ عنه بقوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ولهذا قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في هذه الآية هو قول الرجل:(لولا نباح الكلب لدخل علي اللص) وقيل: هو نهي لقوم كانوا يقولون: إن شاء الله وشاء رسول الله - عليه السلام:" أمثلان أمثلان؟ قولوا إن شاء الله " فأنزل الله هذه الآية.
إن قيل: ما وجه قوله: " وأنتم تعلمون "؟ فإن ذلك إن جعلته خبراً مستأنفاً، فلابد له من ذكر معلم يقترن به حتى يحصل به تمام الخبر، إن جعلته حالاً يصير تقديره:" لا تجعلوا له أنداداً في حال علمكم "، وذلك غير صحيح، لأن جعل الأنداد محظور في كل حال، قيل إن ذلك حال للمنتهي، وليس الاتيان به شرطاً لقصر الحكم على هذه الحال، وإنما هو تنبيه على قبح فعلهم، لأن مرتكب القبيح مع علمه بقبحه أعظم جرماً، وإذا قيل:" لا تكفر معانداً " فذلك نهي عن الكفر وعن العناد، فكذلك هذا، وعلى هذا قوله تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} ثم قوله: (وأنتم تعلمون) عام فيمن حصل له العلم بذلك، وفيمن له التمكن مع العلم به، فقد