المن على ضربين: أحدهما ما يوزن به والأكثر منا بالتخفيف، والثاني قدر الشيء ووزنه، ومنه المنة، فإنها تستعمل على ضربين، أحدهما: اسما للعطية - لكونها ذات قدر بالإضافة إلى سائر الأفعال، وذلك لما تقدم أنفاً في صفة الجود وأنه أشرف فضيلة، والثاني: اسما لقدر العطية عند معطيها واعتداده بها، وهو المنهي عنه بقوله {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}، وقوله - عليه الصلاة والسلام:" والامتنان بالمعروف فإن ذلك مما يبطل الشكر ويمحق الأجر "، وقيل:" تعداد المنة من ضعف المنة "، والمنة تهديه للصنيعة، وللعطيه متى استعظمها المعطى فشكر منه، ومتى استعظمها المعطى، فهدم منه، فقوله:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ} يجوز أن يكون خبر ابتداء مضمر أي الذين مثل إنفاقهم كمثل حبة منهم الذين ينفقون أموالهم، ويكون قوله:{لَهُمْ أَجْرُهُمْ} في موضع الحال ويجوز أن يكون " الذين " هذا يفسر " الذين " المتقدم ويكون الذين ابتداء وما بعده خبرا، وقوله:{وَلَا أَذًى} الأظهر الأكثر أنه معطوف على قوله: " منا "، وهو أعم منه لأن كل من أذى، وليس كل أذي منا، وقيل: هو أن يظهر المسئول تبرما بالسائل، نحو أن يقول:" أراحني الله منك "، أو:" من أبلاني بك " فعلى هذا قوله: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ} استئناف، وقوله:{لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا} تام، وقوله:" ولا أذى لهم " كلام مستأنف من صفة المعطى كأنه قيل: " الذين ينفقون ولا يمنون، ولا ينادون بالإنفاق، فإن تمام فضيلة المنفق في سبيل الله أن يصير سلس الطبع بالعطاء، مستلذاً، يصرف المال إلي الوجوه المحمودة "، كما روى أن من الرجل محموداً حتى يكون ما ينفق في سبيل الله أحب إليه مما تركه، وروي هشام بن عروة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعطى عطية وهو طيب النفس بها بورك فيها للمعطي والمعطى ".