يجر الحديد ولا يجر غيره، هذا ما حكوه، فعلى هذا إذا قيل إن لهذه الأشياء معرفة، فليس ببعيد متى سلم لهم أن هده القوى تسمى معرفة، فأما إذا قيل إن للجمادات معارف الإنسان في أنها تميز وتختار وتريد، فهذا مما تعافه العقول، ونبه الله تعالى تخويفه لنا أن ارتكاب الذنوب يقضى براكبها إلى قساوة قلب حتى إنه ربما يعدم فيه رجاء الخيرات كلها، ونبه أنه تعالى لا يغفل عن أفعال البشر، إذ هو علام الغيوب ..
الطمع يقارب الرجاء، والأمل، لكن الطمع أكثر ما يقال فيما يقتضيه الهوى والأمل والرجاء قد يكونان فيما يقتضيه الفكر والروية، ولهذا أكثر ذم الحكماء للطمع، حتى قيل الطمع طبع، والطمع يدنس الثياب، ويفرق الإهاب، والأصل في تحريف الشر الانتهاء به إلى ناحية يمكن جره إلى غيره، ثم يقال في كل كلام غير سكن وجهه محرف، والسماع يقال على ما يحس وعلى ما يتصور، ولذلك وصف الله تعالى الكفار بالصمم، فقوله:{يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ} حمل بعضهم على المسموع منه تعالى، فجعل الفريق بعض السبعين الذين كانوا مع موسى [عليه السلام] في المناجاة، لاستماع كلامه، فلما عادوا حرفوا ما سمعوه وإليه ذهب ابن عباس والربيع، وبعضهم حمله على ما كان في الأصل منه تعالي، وإن سمع من غيره فجعله التوراة وتجعل الفريق العلماء الذين غيروا التأويل، وإليه ذهب السدي والحسن وابن زيد، وفي الآية تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، وتوهين للطمع في أئمتهم: وإن هؤلاء إذا كان علمائهم وأحبارهم الذين سمعوا لكلام الله وعقلوه وحرفوه ولم يؤمنوا، فكيف يرجى أن تؤمن جماعتهم مع جهل أكثرهم