للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله - عز وجل -:

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}

الآية: (١٤٩) - سورة البقرة.

إن قيل: ما وجه تكرير (فول وجهكم) قيل: إعادة ذلك لحكمة لطيفة، وهو أنه ذكر لتغيير القبلة ثلاث علل من قوله: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} إلى قوله: (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) - الأولى: إكرامه تعالى نبيه - عليه السلام- إن ولاه قبلة أبيه إبراهيم ابتغاء مرضاته، وهو قوله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) والثانية: إخباره أن لكل صاحب دعوة قبلة وهو قوله: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ)، والثالثة: قطع حجة معانديه وهو قوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}، فقرن بذكر في علة معلولها الذي هو الفرض، وذلك قوله: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) لقولك: إن هذا فرض لسبب كذا، وفرض لسبب كذا، فيعتد المعلوم مع العلة، وهذا أبلغ من قول من قال: لما طال القصة، واعترض فيما بينها ما فيه زيادة بيان أعاد الحكم نحو: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} إلى قوله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا}، وأنه أعاد " لما جاءهم " وأشار بقوله: {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} إلي تحقيق ما قدمه، فبين أنه إذا كانت الحكمة تقتضي أن لكل صاحب شرع قبلة تختص بها وأنت صاحب شرع، فتغيير القبلة لك حق،

إن قيل: لم خص الأول بلفظ الرب، والثاني بلفظ الله؟

قيل: لأن الأول لما نبهنا على الاستدلال على حكمته بالنظر إلى أفعاله ذكر لفظ الرب المقتضى [للنعم المسطر فيها إلى المنعم] ويستدل بها عليه، ولما انتهى إلى ذكر الوعيد ذكر لفظ الله تعالى المقتضي للعبادة التي من أحل بها عليه استحق أليم عقاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>