ما جعله الله تعالي للإنسان بالفطرة، فإن ذلك كشررة تخمد إذا لم تتوقد، وبين أن بعضهم لا يتبع قبله البعض، وذلك لارتكابهم الهوى وتأنيهم عن تأمل الهدى، وحذر نبأ عن اتباع أهوائهم، ونبه أن اتباع الهوى بعد التحقق بالعلم يدخل متحريه في جملة الظلمة، وقد أكثر الله تحذيره من الجنوح إلى الهوى حتى كرر ذلك في عدة تواضع، وقول من قال الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمعني به الأمة، فلا معني لتخصصه، فإن الله تعالى يحذر نبيه من اتباع الهوى أكثر مما يحذر غيره المنزلة الرفيعة إلى تحديد الإنذار عليه أحوج حفظاً لمتركته وصيانة لمكانته، وقد قيل: حق المرأة المجلوة أن يكون بعدها أكثر إذا كان القليل من الصدأ عليها أظهر ..
إن قيل: كيف أجاب فقال: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ}، ولايقال إن جئتني ما فعلت، وإنما يقال: لم أفعل؟ قيل: قد قال سيبويه: إن ذلك لما تضمن معنى القسم، فأدخل على أن اللام صار جوابه كجواب القسم، وعلى ذلك قوله تعالى:{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا} وقال الأخفش: لما كان إن،) وهو متضمنان الشرط حمل " إن "، عدى " لو " فعلى هذا يصح أن يقال " إن أتيتني ما أكرمتك "، وعلى قول " سيبوية " لا يصح ما لم يكن مع " إن " اللام نحو للئن.
أتيناهم أبلغ من قوله:(أوتوا)، فإن (أوتوا) قد يستعمل فيمن لم يكن له قبول، وأتيناهم أكثر ما جاء فيمن له قبول نحو:{أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}، وعلى ذلك كل مما جاء من نحو هذا فيما يختص بإكرام نحو:{هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا}، وقوله (يعرفونه) أي العلم الذي هو النبوة