للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجوز أن يعتقد أن هذا أمر قد خص عليه السلام به كما خص بقوله: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}، ولأنه لما كان تحويل القبلة أمراً له خطر خصهم بخطاب مفرد ليكون ذلك أبلغ، فمعلوم من السلطان إذا خاطب والياً من قبله بأمر ذي بال يعمه، ورغبته أن يخصه بخطاب مفرد ليكون ذلك أوقع عندهم [وأدعى لهم إلى قبولهم]، وليكون لهم في ذلك تشريف، ولأن في الخطاب العام تعليق حكم أخر به، وهو أنه لا فرق بين القريب والبعيد في وجوب التوجه (إلى الكعبة)، والضمير في قوله {أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} قيل هو التحويل قيل: هو التوجه، والقولان في التحقيق واحد.

قوله عز وجل:

{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} الآية: (١٤٥) - سورو البقرة.

إن قيل؟ كيف حكم، بأنهم لا يتبعون قبلتك وقد أمن منهم فريق- قيل: قال بعضهم: إن هذا حكم على الكل دون الأبعاض، وهذا صحيح بدلالة أنك لو قلت: ما أمنوا، ولكن آمن بعضهم لم يكن منافياً، وقيل عنى به وأقوام مخصوصون وقيل: عنى ما تبعوا قبلتك بقلوبهم، وقوله: (يوما أنت بتابع قبلتهم)، أي لا يكون ذلك منك، فمحال أن من عرف الله حق معرفته يرتد، وقد قيل: (ما رجع من يرجع إلا من الطريق)، أي: " ما أخل بالإيمان إلا من لم يصل إليه حق الوصول " ...

إن قيل: فقد يوجد من يحصل له معرفة ثم يرتد؟ قيل: إن الذي يقدر أنه معرفة، وهو ظن متصور بصورة العلم، فأما أن يتحصل العلم الحقيقي ثم يعقبه الارتداد فمحال ولم يعن بهذه المعرفة

<<  <  ج: ص:  >  >>