أنها فوق التوكل، لأن قاضية المتوكل الاستسلام لما يجري عليه من القضاء كأعمى يقوده بصير فهو به، وهذه المنزلة هي أن يحرك الحق سره بما يريده فعله، وربما يكون ذلك بوحي من خارج لقوله، تعالى لإبراهيم أسلم، وربما كان ذلك بإلهام من باطن كما أوحى إلى أم موسى، ومعنى (تقلب وجهك في السماء) أي تطلعك الوحي المنزل، وقيل: إن في ذلك تنبيهاً على حسن أدبه حينما انتظر ولده يسأل، فالولي الذي حصلت له القربة قد ينقص عن المسألة اتكالاً على ما تيسر له، كما روي عنه عليه السلام أنه قال أن الله تعالى يقول:
(من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل من ما أعطى السائلين) ....
وعلى ذلك أول أمية بن أبي الصلت:
إذا أثنى عليك المرء يوماً ...
كفاهُ من تعرضك الثناء
وبين تعالى بهذه الآية رغبة النبي عليه السلام في التوجه إلى الكعبة وإلحائه، وقرن به علم أهل الكتاب بأن ذلك حق من الله- عز وجل- ونبه بقوله:{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} على وعيد لهم.
ووعد المؤمنين في إلحائهم وإمتناعهم ...
إن قيل: من أين علم أهل الكتاب أن ذلك حق؟
قيل: لما تضمن كتبهم من ذكر النبي- عليه السلام-، وعلمهم أن عبادة الله أن يخص كل رسول من أولى العزم بقبلة غير قبلة من تقدمه أنفاً ...
إن قيل: كيف خاطبه أولاً بقولها {فَوَلِّ وَجْهَكَ} ثم عم بقولها: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}، قيل: أما خطابه الخاص أولاً، فتشريفاً له، وإيجاباً لرغبته وإنجازاً لوعده، وأما خطابه العام بعده، فلأنه، كان