قوله - عز وجل -: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}: الآية (٦) - سورة الفاتحة.
الهداية: دلالة بلطف، ومنه الهدية، وهوادي الوحش متقدماتها، لكونها هادية لسائرها، وخص ما كان دلالة بفعلت نحو: هديته الطريق، وما كان من الإعطاء ب " أفْعَلْتُ " نحو: أهديت الهدية "، و " أهديت إلى البيت "، ولما تصور العروس على وجهين، قيل فيه: هديت وأهديت،
فإن قيل: كيف جعلت الهدى دلالة بلطف، وقد قال الله تعالى:{فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}، وقال تعالى:{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}؟ قيل: إن ذلك على حسب استعمالهم اللفظ على التهكم كما قال:
وَخَيْلٌ قَدْ دَلَفْتُ لَهُ بِخَيْلٍ ...
تَحِيُةُ بَيْنِهِمْ ضرَبٌ وَجيِعُ
والهداية: هي الإرشاد إلى الخيرات قولاً وفعلاً، وهي من الله تعالى على منازل بغضها يترتب على بعض، لا يصح حصول الثاني إلا بعد الأول، ولا الثالث إلا بعد الثاني، فأول المنازل: إعطاؤه العبد القوي التي بها يهتدي إلى مصالحه، إما تسخيراً، وإما طوعاً، كالمشاععر الخمسة، والقوى الفكرية، وبعض ذلك أعطاه الحيوانات، وبعضه خص به الإنسان.
وعلى ذلك دل قوله تعالى:{أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} وقوله تعالى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}، وهذه الهداية إما تسخير وإما تعليم، وإلى نحوه أشار بقوله تعالى:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} وقوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}، وقال في الإنسان بما أعطاه من العقل وعرفه من