القضاء: فصل الأمر، والنسك أخذ النفس ببلوغ غاية العبادة، واختص في تعارف أهل الفقه بعمل الحج وبالذبيحة حتى سميت نسيكة، كما سميت قرباناً، وقولهم: إذا فعلت كذا فافعل كذا، يقال على ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكون " افعل " أمراً بما تقدم فعله نحو، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} الثاني: أن يكون الأمر بشيء هو من أبعاض ذلك الفعل وفي أثنائه، نحو:" إذا صليت فاركع واسجد "، والثالث: أن يكون بعده، نحو:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} والآية، محمولة على ذلك تنبيها ففي ابتداء النسك ذكر، وهو التلبية وفي أثنائه ذكر، وهو عند المشعر والطواف، وفي انتهائه ذكر، وهو شكر الله- عز وجل- وذكره عند طواف الوداع، ولما كان الذكر ذكرين، ذكر بالقلب، وذكر باللسان تتناولهما الآية، ولما كان الإنسان لا يتشكك في أن أباه أحد أسباب وجوده، وأنه منه أوجد ولا ينسى ذكره في شيء من أحواله، وكانوا يتبجحون بمكانه، ويفتخرون بكونهم عنه، أمروا أن يذكروا الله كذكرهم آباءهم وأن يتحققوا أنه تعالى سبب وجودهما، بل سبب وجود آبائهم، وأن يفتخروا به كافتخارهم بآبائهم، وقد روي أنهم كانوا يفتخرون بأبائهم بعد فراغهم من حجهم، فأبطل الله ذلك، وعليه نبه النبي ...
بقوله:" إن الله تعالى أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظيمها بالآباء، فالناس من آدم، وآدم من تراب، ولا فضل
لعربي على عجمي إلا بالتقوى "، ثم تلا قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ...