للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إفادة المحكمة وهي أشرف منزلة العلم، ولهذا قال: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}، ثم بالتدرج في الحكمة يصير الإنسان مزكى.

، أي مطهراً مستصلحاً لمجاورة الله- عز وجل-.

قوله - عز وجل -:

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}

الآية (١٣٠) سورة البقرة.

الرغبة: سعة الإرادة، ومنه بطل رغيب أي نهم، والرغيب الشيء المرغوب فيه، ومش عدى بعن اقتضى صرف الإرادة عن ذلك الشيء، وذلك بالزهد فيه، والاصطفاء تناول صفوة الشيء، كما أن الاختيار تناول خيره، والاجتباء تناول جانبه أي وسطه، وهو المختار، و (سفه نفسه) قيل: تقديره سفه، نفسه، وقيل: أصله سفه نفسه، فصرف الفعل عنه، نحو: بطر معيشته، وسفه نفسه أبلغ من جهلها، وذاك أن الجهل ضربان جهل بسيط، وهو أن لا يكون للإنسان اعتقاد في الشيء وجهل مركب، وهو أن

يعتقد في الحق أنه باطل، وفي الباطل أنه حق، والسفه أن يعتمد ذلك، ويتحرى بالفعل مقتضاها ما اعتقده، فبين تعالى أن من رغب عن ملة إبراهيم، فإن ذلك لسفهه نفسه، وذلك أعظم مذمة، فهو مبدأ لكل نقيصة، وذاك أن من جهل نفسه جهل أنه مصنوع، وإذا جهل كونه مصنوعاً جهل صانعه، وإذا لم يعلم أن له صانعاً، فكيف يعرف أمره ونهيه، وما حسنه وقبحه، ولكون معرفتها ذريعة إلى معرفة الخالق- جد ثناؤه- قال: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، وقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}

فإن قيل: كيف وصفه بالاصطفاء في الدنيا وبالصلاح في الآخرة، والنظر يتقضي عكس ذلك، فإن الصلاح وصف يرجع إلى الفعل، وذلك يكون في الدنيا، والاصطفاء حال يستحقه العبد بكونه صالحاً، فحقه أن يكون في الآخرة؟ قيل الاصطفاء ضربان، أحدهما كما قلت والأخر في الدنيا، وهو اختصاص الله بعض العبيد بولايته ونبوته لخصوصيته فيه وهو المعنى بقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>