للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله - عز وجل:

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} الآبة (٢١٦) - سورة البقرة

الكره في الإنسان يستعمل على ضربين، أحدهما ما يعاف من حيث الطبع، والثاني ما يعاف من حيث الفعل وإن مال إليه الطبع، ولهذا يصح أن يوصف الشيء بأنه مراد مكروه، والكره والكره قيل هما واحد في معنى نحو الضعف والضعف وقيل بل الكره المشقة التي يحمل عليها الإنسان بإكراه، والكره ما يتحمله بلا إكراه، من غيره، وقيل للحرب كريهة ...

وعسى طمع وإشفاق، وقد يجري مجرى لعل، ويقال: هو عس بكذا، أي جدير، وأعس به، وسمي الإبل التي لا ألبان بها، وفيها طمع المعسيات من حيث أن يقال عسى أن يكون بها لبن والقتال المكتوب من حيث الظاهر مجاهدة الكفار، وقيل: عني مع ذلك مجاهدة النفس إلى الشهوة، وهي التي سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - الله " الجهاد الأكبر "، ونبه بقوله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا} بألطف وجه على أن ما كتب عليهم من القتال خير لهم بأوضح الأدلة وهي أنه إذا جاز أن يكون منكم كراهية لأمر وفيه الخير، فيجوز أن يكون كراهتكم لما كتب عليكم من القتال كذلك، وإذا جاز أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، فيجوز أن تكون محبتكم لما أحببتموه شراً، ثم نبه أن هذا الجائز كونه عندكم هو واجب كونه في نفسه بقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} أي إذا كان الله - عز وجل - يعلم وأنتم لا تعلمون، وقد قضي بأن ذلك خيرا، فإنما قضي به لأنه خير، وإذا كان خيرا فيحبب أن تحبوه، ولا تكرهوه، فالخير يجب إرادته، والشر يجب كراهته، وعلى نحوه دل قوله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}

<<  <  ج: ص:  >  >>