للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنه لا يكون مستجباً لله -عز وجل- من لا يكون مؤمناً، ولا مؤمنا من لا يكون مستجيباً، قيل أحدهما وإن يضمن الآخر من حيث الاعتبار، فذكرها ليطمئن، فإن إجابته ارتسام أوامره ونواهيه التي يتولاه الجوارح، والإيمان هو الاعتقاد الذي تقتضيه القلوب، وأيضاً فإن الإيمان المعني هاهنا هو الإيمان الذكور في قوله:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}

وذلك بعد الإجابة، وقد تقدمت منازلُ الإيمان.

قوله- عز وجل:

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}

الآية (١٨٧) - سورة البقرة.

الرفث كل كلام يتضمن ذكر الجماع، وجعل كناية عنه، وعُدَّي بإلى لتضمنه معنى الإفضاء والخيانة بنقض العهد، ولهذا قوبل بالوفاء الدال على التمام، والحد ما يمنع أحد الشيئين من الآخر، فتارة يتصور منه المنع، نحو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ}، وقيل للثواب حداد، وتارة تصور منه الفصل فقيل: حد الدار، وجه شبه الحد في الكلام، وقيل: حد الرأي لكونه مانعاً له ولغيره عن بواقعة مثله، وحد السيف ما يفصل بينه وبين الجانب الأخر، ثم تصور منه الدقة، فقيل: أحددت السيف، وسمي الحديد لكثرة وجود هذه الصورة فيه، والعكوف: الإقامة على الشيء والحبس عليه، فتارة يراعي منه الإقامة فلا يعدي نحو: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}، وتارة يراعى منه الحبس

<<  <  ج: ص:  >  >>