فإن قيل: لم كرر قوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، قيل: حث بأحدهما على التوجه نحو القبلة بالقلب والبدن في أي مكان حصل الإنسان نائياً كان عنها أو دانياً منها، وذلك حال الاختيار والتمكن، وحث بالآخر على التوجه بالقلب نحوه عند اشتباه القبلة، وفي حال المسامعة، وفي صلاة النافلة في حال المسير في السفر وعلى الراحلة ...
إن قيل: كيف استثنى الذين ظلموا وذلك يقتضي أن يكون لهم حجة،؟ قيل: الحجة ههنا موضوعة موضع الاحتجاج نحو: {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} ومعناه: لئلا يحتج عليكم أحد إلا وهو وظالم، وقوله:(لئلا) إبانة عن الغرض، والعاقل لا يقصد إلا عارضاً يصح أن يصيبه، فالمؤمن لا يقصد بذكر الحجة أن يكف الناس بها عن الاحتجاج لعلمه أن منهم معانداً لا يبالي بارتكابه الباطل، والله تعالى لا يأمر بدلك لكونه غير مستطاع، فكأنه قال: أقصدوا بالحجة دفع الناس إلا الظالمين، وقيل الظالمون إشارة إلى مشركي العرب حيث قالوا:
" إن محمد عاد إلى فبلتنا "، وقد استدل بعضهم على أن الناس ههنا لمشركي قريش بما روي في الخبر أن كل ما في القرآن من قوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) فمخاطبة لأهل مكة، وما فيه من (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فمخاطبة لأهل المدينة، وقول من قال تقديره:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}.