قيل: عدل إلى لفظ الإيمان ألذي هو عام في الصلاة وغيرها ليفيدهم أنه لم يضع لهم شي مما عملوا به ثم نسخ عنهم،
فإن قيل: ولم لم يقل إيمانهم؟ قيل: ذكر بلفظ الخطاب ليتناول الماضين والباقين تغليباً لحكم المخاطب على الغائب في اللفظ، ثم بين بقوله تعالى:(إن الله بالناس لرؤوف رحيم) أنه لا يضيع إحسانهم وهو رؤوف بهم، فإن رأفته بالناس وإضاعة إحسانهم متنافيان لا يجتمعان.
قطر وشطر وشطن ألفاظ متقاربة المعاني تقارب ألفاظها، فقطر معناه انفصل عن قطره أي بجانبه ومنه القطرة القليل المنفصل من المانع، وشطر: انفصل وتباعد، ودار شطور منفصلة عن الدور، وشطون بعيدة، وقد يستعمل الشطور موضع الشطون لكن الشطون لما هو أبعد، ورجل شاطر أي منفصل عن الجماعة بالخلاعة، وشاطرته: أي أخذت شطرا وتركت له شطرا، وشاة شطور لها ضرع واحد وأحد ضرعيها أكبر كأنه لا يعتد بالآخر، وتوجهت شطره أي نحوه اعتبارا بالشطر المقابل من شطريه، وتقلب الوجه أبلغ من تقلب العين، على أن الوجه يراد به التوجه كقولك:" وجهتي إلى فلان "
إن قيل: هل كان يستخط - عليه السلام - توجهه إلى بيت المقدس حتى قيل {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}؟
قيل لم يقصد بذلك أنك كنت ساخطة، وإنما كان - عليه السلام - يحركه السر، ويعلم بما يلقى في روعه أن الله تعالى يريد تغييراً في القبلة، وكان يتشوفه ويحثه، وقيل معنى (ترضاها) أي يرضاها، لكن يبين بهذا القول أن مرادك لم يخالف مرادي.
وقول مجاهد وابن زيد، أحب النبي عليه السلام التوجه إلى الكعبة مخالفة لليهود وقول ابن عباس فإنه أحبها اقتداء بإبراهيم عليه السلام وقول الزجاج إنه أحبها لاستدعاء العرب بها إلى الإسلام فكلها صحيحة إذ لا منافاة بين هذه الإرادات، وهذه منزلة يشير إليها أولو الحقائق ويذكرون