أمر تعالى بالقتال لدفع الفتنة بعد أن يبين أنها أعظم ضررا من القتل، نحو قوله:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}، فقوله:{حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} كقوله: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}، وذلك إما بقتلهم أو بإسلامهم أو بانقيادهم وإعطاء الجزية حسب ما بينه الشرع، (ويكون الدين لله) قال ابن عباس: حتى يخلص التوحيد له " وحمل ذلك على مشركي العرب، لأنهم لا يقارون على جزية كما يقال غيرهم، وحمل بعضهم على الانقياد بحكم الدين في كل مكان، وقال: يجب أن يكون الحكم للإسلام في كل مكان، وعلى هذا ما روي: " الإسلام يعلو ولا يعلى "، ثم أعاد ذكر الانتهاء، فقال:{فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} أي لا يتجاوزون الخطر إلا مع من يتجاوزه بحسب فعله ..
بين أن مراعاة حرمة الشهر واجبة لمن راعى حرمته، وأن من هتكها اقتص منه، وسبب نزول ذلك أن العرب فخرت بصرف النبي - عليه السلام - عام الحديبية عن البلد الحرام، وكان ذلك في ذي القعدة، فمكنه الله تعالى من دخوله في العام القابل في القعدة، وشرح معنى قوله:(لا عدوان إلا علي الظالمين) بقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا}.
إن قيل: كيف رخص في الاعتداء وهو ظلم وقد منع منه آنفا بقوله: (ولا تعتدوا)، قيل: الاعتداء مجاورة الحد، ومنه قيل: " عدا فلان طوره "، و " لا تعد طورك "، ثم استعير الاعتداء في الظلم من حيث