الناس مالا يليق بصفات الله تعالى في لفظ المجيء والإتيان الذي وصف الله - عز وجل به بنفسه في هذه الآية وفي قوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} وقوله: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}، وقوله:{فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ}، وقوله:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، وذلك لأمرين، أحدهما لقصورهم عن معرفة البارئ عز وجل، والثاني: لضيق مجالهم في مجاري الألفاظ ومجازها، وليس يقال الإتيان والمجئ لانتقال الحي المتحرك من مكان إلى مكان فقط، بل قد يقال لقصد القاصد بعنايته أمراً يستصلحه كقوله: أتيت المروة من بابها، [ويقال أيضاً] لاستيفاء فعل يتولاه، كقولك: أتيت على ما في الكتاب، [وقد يقال أيضا] لفعل يفعله على يد من يستكفيه [كقولك إن الأمير ناحية كذا بجيش عظيم، ومنه {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} ولما جرت العادة أن الرئيس يتولى الأمير بمن يستكفيه] تارة وبنفسه تارة، وأن لا يتولى بنفسه إلا ما كان أكبر وأعظم، فلما أراد الله تعالى أن يبين العذاب الذي لا غاية وراءه جعله منسوباً إلى نفسه وإتياناً له، وعلى هذا النحو جعل كل يستعظمه فعلاً له نحو خلق أدم بيده، وعلى هذا قوله:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}، ووجه آخر، قد أشير إليه في صدر الكتاب، وهو أن الفعل كما ينسب إلى المباشر له ينسب إلى ما هو سببه ومسهلة، نحو أن يقال:{الرحمن علم}، وإنما علمنا من علمه النبي، وعلم النبي جبريل، وجبريل علمه الله عز