المتقدم ذكرها في قوله {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} وقيل، عنى النبي عليه السلام بقوله:{يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ} وقيل: يعرفون أن التوجه إلى الكعبة حق واختلاف أقاويلهم باختلاف نظراتهم إلى الألفاظ من حيث المعنى بأن معرفة الرسول عليه السلام ومعرفة صدق قوله وصحة ما يأمر به من أمر القبلة متلازمة، وإنما قال:{كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} ولم يقل أنفسهم، لأن الإنسان لا
يعرف نفسه إلا بعد انقضاء برهة من دهره، ويعرف ولده من حين وجوده، ثم في ذكر الابن، ما ليس في ذكر النفس، فإن الإنسان عصارة ذاته ونسخة صورته، وإنما قال:{لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} ولم يقل يكتمونه، لأن في كتمان أمره كتمانه الحق جملة، وزاد في ذمهم بقوله:{وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
فقد قيل: ليس المرتكب ذنباً عن جهل كمن يرتكبه عن علم ...
الامتراء من) مريت الناقة) إذا مسحت ضرعها، وبه شبه مري الريح السحاب الممطر، ومرى الفارس فرسه للعدو، واستعير الممتري للمتردد، وفي الحكم، ولهذا استعمل فيه المتحير، وهو من حار إذا رجع، وبين أن كل حق هو من الله تعالى، إما بإبداعه وإيجاده وصنعه، وإما بأمره وإما توفيقه، وقوله:{فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} ليس بنهي عن الشك، وإذ كان ذلك ليس بقصد من الشاك، بل هو حث على اكتساب المعارف المزيلة للشك واستعمالها، وعلى ذلك قوله تعالي:{إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}