(فصل في تبيين الوجوه التي يجعل لأجلها الاسم فاعلاً في اللفظ)
كل فعل من أفعال غير الله تعالى نحو: التجارة، والكتابة يحتاج في حصوله إلى أشياء إلى فاعل يصدر عنه الفعل كالنجار، وإلى عنصر يعمل فيه كالخشب، وإلى عمل كالنجر، وإلى مكان وزمان يعمل فيهما، وإلى آلة يعمل كالمنجر والمنحت، وإلى مثال يعمل عليه ويحتذي نحوه، وإلى غرض يعمل لأجله ما يعمل، ثم الفاعل قد يحتاج إلى من يسدده ويرشده.
والغرض قد يكون على نحوين: قريب وبعيد.
فالقريب: اتخاذ النجار الباب ليحصل به نفعاً، والبعيد: ليحصن " به " البيت، وكل ذلك قد يُنسب إليه الفعل، فيقال: أعطاني زيد إذا باشر العطاء، وأعطاني الله لما كان هو الميسر له.
وربما جمع بين السبب القريب والبعيد، فيقال: أعطاني الله وزيد.
قال الشاعر:
حَبَانَا بِهِ جَدُّنَا وَالْإَلهُ ...
وَضَرْبٌ لَناَ جَذْمُ صِائبِ
فنسب إلى المسبب الأول، وهو الله تعالى وإلى السبب الأخير، وهو الضرب، وإلى المتوسط وهو الجد، وقال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}، وقال تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}، فأسند الفعل الأول إلى الآمر به، وفي الثاني إلى المباشر له، وقال الشاعر في صفة درع:" وألبَسنِيِه الْهَالكُّى " وقال آخر: " كَسَاهُمْ مُحْرقٌ "، (فنسب في الأول إلى عاملها، وفي الثاني إلى مستعملها)، " وقال " في صفة نِبَال: نِبالٌ كَسَتْهَا ريِشَهَا مَضْرحيَّةٌ، فنسب كسوتها إلى