للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله - عز وجل:

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} الآية: (٥٤) - سورة البقرة.

قد تقدم الكلام في الظلم، فأما ظلم النفس، فقد يقال لكل فعل يباعدها عن توفيق الله تعالى في الدنيا وعن قوابه في الآخرة صغيراً كان أو كبيراً وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}

فالأظهر أن فعل الفاحشة وعمل السوء للكبيرة، وظلم النفس في الآيتين للصغيرة.

وفي الجملة: فإن ظلم النفس هو الخروج عن الاعتدال صغيراً كان أو كبيراً وقوله: " تبارئكم " فأصل البرء خلوص الشيء عن غيره إما على سبيل التقصي منه، أو على سبيل الإنشاء عنه فعلى التقصي قولهم: برئ فلان من مرضه، والبايع من عيوب مبيعه، وصاحب الدين من دينه، ومنه: استبراء الجارية، فإنه أراد تقصيها من " ما " ومن " عسى " أن قد غشيها من قبل، وعلى سبيل الإنشاء: قولهم: أبرأ الله الخلق وقوله تعالى: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} فإشارة إلى أحوال ثلاث، فالخلق: إلى إيجاد البدن، والبرء: إلى إيجاد الروح، وهي النسمة التي عناها أمير المؤمنين بقوله: " والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة "، والتصوير إلى الجمع بينهما وإلى ثلاثتها أشار بقوله: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} الآية وإلى ذلك أشار بقوله: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} وأما البرية فكثير من الناس ذهبوا إلى أنها منه، فترك همزة، كالذرية والنبي الخابية ومنهم من قال: البرى.

أي التراب، أو من البرى، وإليه ذهب الكسائي قبرا هي اعتباراً بالأرواح، ويرى اعتبراً بالأشباح والقتل معروف وقد يستعمل في معنى

<<  <  ج: ص:  >  >>