بين الحكمة العلمية وبين الحكمة العملية وقالوا: كل ما كان من الحكمة العلمية، وهي التي لا عمل لها كالإيمان بالله وملائكة وكتبه ورسله، فإنه لا يجوز إن يحكم فيه ألا بالعلم المصون عن الشوائب، وما كان من الحكمة العملية فأصولها كذلك وأما فروعها: فيجور الحكم فيها لغلبة الظن لتفسيح صاحب الشرع لنا في ذلك، فصار حكمنا فليه من هذا الوجه حكماً بالعلم، لأنه إذا قال لنا: إذا غلب في ظنك أن القبلة في هذا الجانب، فصل إليه، وإذا شهد عندك شاهدان مزكيان فاحكم بشهادتهما صرنا
عالمين بأن هذا الحكم واجب علينا في الظاهر، وهذه مسلمة قد أحكمت في أصول الفقه، وأما سؤال من سأل من المتكلمين في هذه الآية بأنه كيف يأمرنا الشيطان ونحن لا نسمع قوله ولا نرى شخصه، وما الحكمة في إيصال الله- عز وجل- أمر الشيطان إلى نفوسنا، فهل وما يجري مجراه من الأسئلة سؤال من لم يتخط المحسومات والموهومات إلى باب المعقولات، ومحال الاشتغال معه [بهذه الحرمات].
ذمهم الله بأنهم أبطلوا ما خص الله به الإنسان من الفكر والروية وركزه فيه من المعارف، وذلك أن الله تعالى ميز الإنسان بالفكر ليعرف به الخير من الشر في الاعتقاد والصدق من الكذب في المقال والجميل من القبيح في الفعال لم يتحر الحق والصدق الجميل، ويتجنب أضدادها،