للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عرض الطريق متخطياً، وذلك هو الإعراض والمتولي أقرب أمرا من المعرض، ولأنه متى ندم على رجوعه سهل عليه العودة إلى سلوك المنهج، وأخذ في عرض المفازة إلى طلب منهجه، فيعسر عليه العود إليه، فمتى جعل الخطبان لفريق واحد، فذلك غاية الذم، فإنهم جمعوا بين العود عن السلوك والإعراض عن المسلك، ومتى جعل " توليتم " للسلف، وأنتم معرضون للخلف، فتنبيه أنكم شر من أسلافكم، فقد كان منهم التولي، ومنكم الإعراض، والآية منطوية على عامة الأحكام الاعتقادية والعلمية والآداب الشرعية ومكارم الأخلاق، وفيها ذم لبني إسرائيل أن مع أخذ الميثاق منهم بذلك لم يكن من أكثرهم الوفاء به ..

قوله - عز وجل -:

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}

الآية (٨٤) سورة البقرة.

الدار سميت اعتبارا بدورها، وقيل داره، كقولهم: محلة ومنزلة اعتباراً بوحدة ما، فإن الدار يقال لها وإن انطوت على حجر وبيوت، والدواري الدهر، لكر الجديدين، والدوار في الرأس وضم على بناء الأدواء، نحو الصداع، يقال للصنم التي يدار حوله دوُار ودَوار ودوار، وقوله تعالى: {لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} متعلق بقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} ما تقدم في الآية الأولي ..

،

إن قيل: كيف أخذ ميثاقهم أن لا يفعلوا ذلك بأنفسهم مع كون الإنسان مضطرا لأن يفعل بها ذلك؟، قيل في ذلك أجوبة ...

الأول: لا يفعل ذلك بغضكم ببعض، وإليه ذهب قتادة وأبو العالية، الثاني: لا يفعلن أحدكم [ذلك] بالآخر، فيفعل به، فيكون في حكم فاعله بنفسه، الثالث: [لا تفعلوا ما يؤدي بكم إلى صرفكم عن الحياة الأبدية الجاري مجرى القتل، وهو العذاب الأليم]، ولا تفعلوا ما تحرمون به على أنفسكم

<<  <  ج: ص:  >  >>