فيكون ذلك مستثنى من القاسية قلوبهم، {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ}.وقال مجاهد وابن جريح كل حجر تردى من رأس جبل فخشية الله نزلت به، وقال الزجاج: الهابط منها قد جعل له معرفة، قال: ويدل على ذلك قوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، وقال: ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض إلى قوله: {وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ}، وقد روي مثل هذا عن السلف ولابد في معرفة ذلك من مقدمة تكشف عن وجه هذا القول، وحقيقته، فإن قوما استسلموا لا حكى لهم من هذا النحو، فانطووا على شبهة، وقومي استبعدوا ذلك واستخفوا عقل رواته وقائليه، فيقال وبالله التوفيق إن قوماً من المتقدمين ذكروا أن جميع المعارف على أضرب، الأول: المغرفة التامة التي هي العلم التام وذلك لعلام الغيوب الذي أحاط بكل شيءعلماً، والثاني: معرفة متزايدة، وهي للإنسان، وذاك أن الله تعالى جعل له معرفة غريزية، وجعل له بذلك سبيلاً إلى تعرف كثير مما لم يعرفه، وليس ذلك إلا للإنسان، والثالث: معرفة دون ذلك وهي معرفة الحيوانات التي سخرها لإيثار أشياء نافعة لها والسعي أوليها واسترسال أشياء هي ضارة لها وتجنبها ودفع مضار عن أنفسها، والرابع: معرفة الناميات من الأشجار والنبات، وهي دون ما للحيوانات وليس ذلك إلا في استجلال النافع وما ينميها، والخامس: معرفة العناصر، فإن كل واحد منها مسخر، لأن يشعر المكان المختص به كالحجر في طلب السفر، والنار في طلب العلو ودلك له بتسخير الله تعالى لا باختيار منه، قالوا: والدلالة على ذلك أن كل واحد من هذه العناصر إذا نقل عن مركزه قهرا أبى إلا العود إليه طوعأ، قالوا: ويوضح ذلك أن السراج تجتذب الأدهان التي تبقيه ويأبى الماء الذي يطفيه، وأن المغناطيس