بحيث إن قلت إنها كالحجارة قساوة صح بنظر، وإن قلت هي أشد من الحجارة صح بنظر، ثم ذكر حكماًَ كليا، فقال " وإن من الحجارة أي من القلوب القاسية التي هي كالحجارة، فذكر المشبه بلفظ المشبه به تحقيقا للتشبيه، كقولك: هم كالبقر ومن البقر ما يفعل كذا، أي من القوم الذين كالبقر، فكأنه قيل: وإن من القاسية قلوبهم من يراجع، فبعض يتفجر منه الأنهار، ومعناه حكمة بالغة كأنهار متفجرة، وبعض يتحصل منه نوع من العلوم يجري مجري الماء، وقد تقدم أن الماء يضرب به المثل في العلم، وبعض يحصل منه الخشية، ونبه بفحوى في الكلام أن هؤلاء المذمومين لم يحصل منهم شيء من ذلك فهم أحجار صلدة، وإنما قال:{لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ}، ولم يقل من اعتبار بلفظ الحجارة، وهذا الذي قلناه على قول من اعتبر هذه الأحكام في المشبه دون المشبه به، فأما من اعتبر ذلك في المشبه به دون الشبه، ففيهم من تعسف جدا في قوله:{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أي من الحجارة،
ومنهم من قارب، قال أبو علي الجبائي: عنى لهذه الحجارة البرد الهابط من السماء، وبقوله:{مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أي بخشيته، وعنى بالخشية التخويف، لأن الخوف والخشية واحد، قال: " ولما كان نزول البرد تخوفا ألفه لعباده قال ذلك، ثم قال، وإنما قلت هذا، لأن الحجارة جماد فلا يصح منه الخشية، كما ترى [قال الشيخ أبو القاسم- أيده الله]- فهذا كما ترى، وقال البلخي: هذا على جهة التمثيل لا في الحجارة من الانقياد لأمر الله الذي لو كان من حي قادر دل على أنه حاش لله ...
، وقال بعضهم: وإن منها أي من الحجارة لما يهبط من أجل أن يخش الله العباد، وقال أبو مسلم {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، الهاء فيه راجع إلى القلوب لا إلى الحجارة، أي من القلوب ما يخضع،