العرب قالوا:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا}، وعني بالذين قبلهم من سبق من كافري الأمم، فقد قال أصحاب موسى:{أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} وأصحاب عيسى قالوا: {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} ثم بين أنهم متشابهون في العمي والجهالة، لاقتراحهم على رسلهم كقوله:{أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}.
إن قيل: إنهم وإن أخطأوا في قولهم: (لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ) فإنهم لم
يخطئوا في سؤال الآية، إذ لا يلزم الإنسان أن يؤمن إلا لمن يأتي بآية تدل على صدقه، قيل: إنما أنكر عليهم جحودهم الأيات التي آتاهم، ولذلك قال (قد بينا الآيات) كما قالت: {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ} كما قال، {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}، وقوله:{لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فيه معنيان: أحدهما أنهم يطلبون اليقين وليس بهم المعاندة، والثاني: أن من حصل له اليقين بالحق المحض وليس يعتريه شبهة فله في القرآن لا آية بل
آيات، كما قال:(هو للذين أمنوا هدى وشفاء)، وقرأ بعضهم:(تشابهت) بتشديد الشين، كأنه نظر إلى قوله:(تشابه)، فحمل عليه، وذلك خطأ، لأن تشابه أصله تتشابه، فأدعم، وليس في تشابهت ذلك، ومن قال: هلا أجابهم إلى سؤالهم في أثناء الآية؟: فسؤال جاهل بحكمة الله تعالى، فباقتراح جاهل، وتشويه لا يجوز للحكيم أن يفعل ما ينافي مقتضى الحكمة، وقد أزاح العلة بغير سؤالهم وإلى ذلك أشار بقوله:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}