وقبل الجواب عن ذلك يجب أن نقدم مقدمة تزول الشبهة بها عن ذلك وعن أمثاله، ويكتفي بتصورها عن آحاد هذه " الأسئلة " ونظائرها، وهو أن الخبرين اللذين أحدهما نفي والآخر إثبات إنما يتناقضان إذا استويا في الخبر والمخبر عنه، وفي المتعلق بهما، وفي الزمان والمكان، وفي الحقيقة والمجاز: فأما إذا اختلفا في واحد من ذلك فليسا بمتناقضين نحو أن يُقال زيد مالك، زيد ليس بمالك، وتريد بأحد الزيدين غير الآخر، أو تريد بأحد المالكين المبني " من " المل، وبالآخر المبني من الملك الذي هو الشد، أو تريد بأحدهما: المالك في الحال، وبالآخر أنه ممن يصح ملكه كالعبد.
أو تعني بأحدهما بأصبهان وبالآخر ببغداد، أو تعني بأحدهما في زمان، و " بالأخر في زمان " آخر غير الزمان الأول، فكل هذا لا تناقض فيه، فإن المراد بأحد الخبرين غير المراد بالآخر، وعلى ذلك كل ما يوصف بوصفين متضادين على نظرين مختلفين، نحو من يقول: في " الوحي " و " البكرة الدائرة على مركزها ": إنها سائة أو منتقلة لعتبار بعض أجزائها ببعض، ويقول آخر: إنها غير سائرة أو غير منتقلة اعتباراً بجملة أجزائها، وأنها لا تتبدل عن المركز، فإن ذلك لا تضاد بينهما، وكذلك إذا قيل: فلان لين العود - وُيرادُ به في السخاء - وقول آخر: ليس بلين العود - ويراد به في الشجاعة، وعلى ذلك ما يتختلف به الحال في الإضافة إلى حالين أو إلى نفسين، نحو أن يقال: المال صالح - اعتباراً بحال ما أو بذات ما، ويقول الآخر: إن المال ليس بصالح - إعتباراً بحال أخرى أو بذات أخرى، وعلى ذلك الحكم في كل ما له مبدأ وغاية، مثل: الإيمان، والشرك، والتوكي، وذلك أن " الإيمان " لما كان مبدؤه إظهار الشهادتين كما قال عليه الصلاة والسلام في الجارية التي أشارت إلى السماء: " إنَّهَا مُؤْمِنَةّ "، وكان