الملاذّ الدنيوية غير متنافس فيها ذمّ الفرحين بها، ولما كانت
الملاذّ الأخروية متنافساً فيها، كما قال:(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) أباح لهم الفرح بها، حتى قال:(فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا).
وأما استبشارهم بالذين لم يلحقوا بهم، فتنبيه أنهم يعرفون نعمة
الله بالموت والقتل في سبيله، ويسرون إذا أخبروا بقتل أو موت
إخوانهم بخلاف أبناء الدنيا، وقوله:(أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) متضمنٌ لذكر كل شيء يكدر الحياة، فإن ما يعرض
في الدنيا: إما خوف لوقوع محذور، أو حزن لفوت محبوب.
والضمير في:(عَلَيْهِمْ) يجوز أن يكون ضميراً للذين لم يلحقوا بهم، وأن
يكون للمستبشرين، وأن يكون لهما.
إن قيل: لم رفع (أَحْيَاءٌ) ونصب (فَرِحِينَ)؟
قيل: لأن (فَرِحِينَ) حال للذين قتلوا، والنصب به أولى، و (أَحْيَاءٌ) استئناف، ولو نصب لكان معناه: بل احسبهم أحياء، ولم يُرد ذلك، وإنما أراد بتّ الحكم بكونهم أحياء.