ويقول ابن عباس " رضي الله عنهما "" ليس في الجنة شيء ما في الدنيا إلا أسماوها "، فإن الله تعالى سمي الماء واللبن والخمر والعسل والسندس والحرير والمسك والزنجبيل، ووصف لكم ما في أيديكم ليحلو عندكم، ولكي تهتدي، إليه قلوبكم، زليس لهذا القول منه وجه إلا التوقيف، إذ لا مدخل للاجتهاد فيه، وروي أن يهودياً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - " أتزعم أن في الجنة نكاحاً وأكلاً وشرباً، ومن أكل وشرب كانت له عذرة؟ فقال النبي - عليه السلام -: " والذي نفسي بيده إن فيها أكلاً، وشرباً، ونكاحاً، ويخرج منهم عرق أطيب من ريح المسك "، فقال رجل: صدق رسول الله، خلق الله دوداً يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، فيخلف غسلاً سائغاً " فقال عليه السلام: " هذا مثل طعام الجنة أهل الجنة " وفي هذا إشارة عجيبة، فإنه إذا أمكن أن يأكل دود أطعمة مستحلية، فتخلف جنساً طيباً يبقى أطول مدة، فلا يلحقه فساد، فكيف ينكر أن يتناول أهل الجنة طعاماً معرى من العفونات والاستحالات، فيخلف منه مسك؟ والذي يستبعده بعض الناس من ذلك هو أنهم يريدون أم يتصوروا أبداناً متناولة لأطعمة لا استحالة فيها ولا تغير لها، ولا يكون منها فضولات، وتصور ذلك محال، وذاك أن التصور: هو إدراك الوهم خيال ما أدركه من الحس وما لا يدرك الحس جزءه ولا كله، كيف يمكنه، تصوره؟ ولو كان للإنسان سبيل إلى تصور لك، لما قال تعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}، ولما قال " عليه السلام " مخبراً عن الله تعالى: (أعدت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)، وجملة الأمر: يجب أن يكون معلوماً أن النقصانات منفية عن الجنة، لأنها من الأعدام، وليس في الجنة أعدام، إذ الجنة في غاية الكمال والتمام ..