فأجزاء العالم إذا تأملتها إما أن تكون قراراً للإنسان، أو غذاء له، أو غذاء لما هو غذاء له، أو دواء له، أو ما ينتفع به نفعاً نا على وجه.
وذلك بين في أنواع الأشياء وأجناسها.
فأما نفع جزيئاتها في أن يقال: ما نفع هذه الحية بعينها فلا سبيل لنا إليه، وأجزاء العالم شيء ضار بالإضلاق، وإنما الضار بالاعتبار إلى جزيئاته،
إن قيل: كيف ذكر ههنا أنه خلق ما في الأرض قبل السماء وقد قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}، معلوم أن ما في الأرض محال وجوده قبل وجودها؟ قيل: قد ذكر في هذا جوابان: أحدهما: أنه تعالى خلق جوهر الأرض، ثم دحاها وبسطها بعد خلق السماء، والثاني: أنه خلق السماء بعد خلق الأرض ووجودها، وإنما وقعت الشبهة من قوله:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}، لأن بعض الناس تصور له من جهة القرآن قوله:(بعد ذلك) ظرف لقوله: (دَحَاهَا) واعتبر في (بعد) الزمان وليس كذلك، فإن تقدير الآية:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ}، ثم قال: {دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}.
كقوله:{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} ثم قال: {بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا}، وليس " بناها " وصفاً للسماء، بل تقديره:(أم السماء أشد خلقاً)، ثم استوؤنف فقيل: بناها - تنبيهاً أن من قدر على ذلك [فهو على] إعادتكم قادر، ثم قال:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ} أي الأرض بعد السماء أشد خلقاً من إعادة خلقكم، وذلك لأن السماء بما فيها من عجائب الصنعة أعظم خلقاً من الأرض، ثم الأرض أعظم من الإنسان، وليس يريد بقوله بعد التوقيت، وإنما يريد الترتيب في الشرف والرفعة،