كميات وكيفيات، وإضافات وسائر ذلك من الأعراض، ويجعل للشيء الواحد أسامي بحسب هذه النظرات، فلابد أن يكون الإنسان عارفاً بهذه المعاني مجتمعة ومفترقة حتى يكون عارفاً بالأسماء التي يجعل [ذلك] لها بحسبها، مثال ذلك: أنه يقال للشخص الواحد " فلان " - اعتباراً بلقبه، و " رجل " اعتباراً بالآلة المولدة، [و " ابن " اعتباراً بوالده، و " أب " اعتباراً بولده] و " أخ " اعتباراً بمن ضمه وإياه نسب، وقرشي وأصبهاني اعتباراً بقبيلته وبلده إلى غير ذلك من الأسماء [التي يكثر تعدادها، فإذا حقيقة قوله:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} متضمنة لما ذكرناه،
فإن قيل: فأي شيء في تعليم آدم الأسماء من تنبيه الملائكة على ما سئلوا عنه؟ قيل: إن الله تعالى لما خلق الإنسان من أمشاج مختلفة وقوى متفاوته وجعله جسمانياً روحانياً، وحصل له بحسب القوى المختلفة معارف مختلفة وأفعال متفاوته، فإن له بحسب الحواس الخمس معارفاً خمساً، وبحسب العقل معارف معقولة وبحسب الوهم والخيال معارف موهومة متخيلة وحصل له بحسب التراكيب البدنية وبسائطها أفعال متباينة ومهن متفاوتة كالتجارة، والصياغة، وسائر الصناعات.
وجل ذلك معدوم في الملك لعدم كثافة الجسم المركب من الأمشاج، ولاستغنائها عن ذلك، فبين الله تعالى بتعليمه آدم - عليه السلام - هذه الأسماء كلها والمعاني وعرضها على الملائكة، وأنبأ آدم - عليه السلام - بها وبحقائقها.
ومعرفة تعاطي الصناعات المختصة بالإنسان عجز الملائكة، وأن الإنسان مستصلح لعلوم وأعمال ليس للملك سبيل إليها [بوجه] فإن المحسوس لا يدركه محسوساً إلا ذو الحاسة، والمهن لا يتعاطاها إلا من ركب تركيب الإنسان من القوى المتفاوته التي منها القوتان اللتان كانوا يرونهما مفسدتين.