الأول، ومن حيث مقتضى اللفظ، فإنه قد يدخلها بالقصد الثاني، ومن حيث المعاني فإن السائل إذا قال مستفهما: أزيد في الدار؟ أو قال: أعطني شيئاً، فكأنه بالأول ينبه على جهله يكون زيد في الدار، وبالثاني على حاجة وافتقار، فمن هذا الوجه صح أن يقال:" هو صادق أو كاذب " على أن هذا حكم على قولهم: (من يفسد فيها ويسفك الدماء) فإنهم استفهموا بقولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} ويصح أن يكون ذلك راجعاً إلى قوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} تنبيهاً لهم على أنه ليس كل تسبيح وتقديس بما يقولونه، بل من التسبيحات والتقديسات ما يصلح له غيركم، وهو ما تقدم ذكره.
إن قيل: ما وجه قوله: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} وهو عالم بما علمهم وعالم بأن لا علم لهم إلا ما علمهم؟ قيل: القصد بذلك إظهار أن ليس سؤالهم على وجه الاعتراض، بل على سبيل الاستفادة وإظهار العجز، وأنه قد بدا لهم ما كان خفي عليهم من فضيلة الإنسان وإظهار الشكر لنعمته وتعظيم منته بما عرفهم وفيه تنبيه على استعمال [حسن] الأدب عند سؤال المعلم بتفويض العلم إليه وتنبيه على أعظم التواضع، فقد قيل لبعض الحكماء: ما أعظم التواضح؟ فقال: الاعتراف بالجهل للعالم، وفيه تنبيه على العلم بما جهلوه، وذلك إحدى فضيلتي الإنسان، وقال بعض المحققين: الافتخار مدرجة للسقوط، انظر كيف اضطر الله الملائكة لما قالوا:{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} إلى أن اعترفوا بعدم العلم، فمن استكثر لله طاعة واستكبر له خدمة فالجهل موطنه واستدل بعضهم بهذه الآية على أن العلم أفضل من العبادة، فإن الملائكة أذعنوا لآدم [عليه السلام] لما أفيد من العلم، والحكيم أصله لمن له الفعل المحكم، لكن لما يصح حصول الففعل المحكم إلا بالعلم [المتقن] صارت الحكمة متناولة للعلم والعمل معاً.
فالحكمة منتهى العلم.
والعلم مبدأ الحكمة، ولا يتم أحدهما إلا بالآخر.
فلهذا جمع بينهما.
وقدم " العليم "[هاهنا] على " الحكيم " فقال: (إنك أنت العليم الحكيم).