سائر أجزائه، كَلُبَّ الشيء إلى أجزائه، وهو أشرف أسمائه، وقد ذمهم الله تعالى في هذه الآية بغاية ما يذم به المتصدي للوعظ بغير الحق، وذاك أن الواعظ من الموعوظ يجري مجرى المظلة من الظل، والطابع والمطبوع، ومحال أن تعوج المظلة، ويستوي ظلها، أو يمكن للطابع أن يوجد في مطبوعة أحسن ما في طبعه.
ولهذا قيل:" كفى بالمرء تهزياً أن يعظ غيره وينسى نفسه، ولأن المدعي لمصلحة هو يتجنبها إما كاذب في دعواه، و‘ما خبيث النفس، وكلاهما لا يقبل قوله، فإذا " حق الإنسان أن يبدأ بنفسه فيما يعظ به غيره، حتى يكون واعظاً بفعله كوعظة بقوله.
وروي أن رجلاً أتى ابن عباس [رضي الله تعالى عنهما] فقال: " إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فقال: إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله تعالى فافْعل.
قوله تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}، وقوله تعالى:{لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}، وقول شعيب:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}، وقد اتبع الله ذمهم بحكمين حقق غيهم أحدهما، قوله: {وانتم تتلون) أي: تتدبرون التوراة، والثاني: قوله: (أفلا تعلقون) - تنبيهاً - أن الجامع للعقل ومتبع الكتاب ليس من حقه أن يأمر الغير بما لا يفعله، فذلك منبئ عن الجهل، فصارت الآية بما عقبت أبلغ من معنى قول الشاعر:
لاتنه عن خُلُق وتأتي بمثلُه ....
عار عليك إذا فعلت عظيم
وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} مثل هذه الآية في حث الإنسان على (العناية بالنفس) قبل العناية بغيره، لا نهياً عن الوعظ كما تصوره بعض الناس، حتى قال هذه الآية منسوخة ..