يقال لكل جنس نوع من الموجودات عالم وتارة يقال لأهل كل زمان عالم وتارة يقال لكل إنسان في نفسه عالم، وذلك يقال على وجهين: أحدهما: إن الإنسان الواحد هم كالعالم في تخصيصه بمثال كل ما هو موجود في العلم والثاني: يقال ذلك للفاضل الكامل من الرجال، وبهذا النظر قال الشاعر:
فواحدهم في الورى عالم.
إن قيل كيف قال: فضلتكم على العالمين وقد قال تعالى لهذه الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الجواب: أن التفضيل الذي يكره الله تعالى هو الفضيلة التي خص بها نبو آدم، المعنية بقوله:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} الآية، وبنو إسرائيل وإن كان قد شاركهم غيرهم في هذه النعمة، فإنهم لما نسوا نعم الله تعالى خصوا بالنداء لتذكيرهم، كقولك:" يا فلان نسيت نعمة الله عليك "، وقد تقدم أنه ربما يخص بالمخاطبة لتذكيرهم بعض المعنيين بالحكم، لأنه أرفعهم منزلة، أو لأن العناية ما أعطوا من المن والسلوى وإظلالهم بالغمام، والحجر الذي تفجر منه الأنهار، وغير ذلك: وقيل: إنه جعل كل فرقة أو كل نفس في زمانهم عالماً، وذكر أنه فضلهم على غيرهم ممن في زمانهم، وقيل: إن ذلك بمارشحهم له من الإيمان بالله ورسوله والأعمال الصالحة، فإن من فعل ذلك كان هو المفضل على العالمين، كقوله:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}
إن قيل: كيف قال ذلك وهذه النعم كانت على أسلافهم؟ قيل: قد قال بعضهم: لما ذكر الله تعالى ذلك في التوراة على سبيل الخطاب، أعاد اللفظ على الحكاية، وقيل:" النعمة على الإنسان ضربان ": نعمة تصل إليه من المنعم بلا واسطة، ونعمة تصل إليه من المنعم بواسطة، أو بوسائط وذلك كتسخير الله من يزرع لنفسه زرعاً يصل إلينا نفعه على بعض الوجوه، فهذا الزارع منعم علينا، وعلى هذا قيل: إن الله تعالى منعم على كل واحد منا بأكثر ما يتعاطاه الناس من أعمالهم من المهن والصنائع المرفقة لأنفسهم، ونحو هذه الآية قول الله - عز وجل - {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} وأعاده قوله: