فقيل في الأول الخطأ، وقد أخطأوا في الثاني خطأ، وقد خطى فهو خاطئ، وعلى هذا {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} وقال: {لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}، وفي استعارة الاحاطة أبلغ تشبيه، وذاك أن الإنسان إدا ارتكب ذنباً فلم يقلع عنه استجرت إلى معاودة مثله، ومعاودة مثله تجعل على قلبه غشاوة، فتجر به إلى ارتكاب أكبر منه، ثم ارتكابه لا هو أكبر منه يطبع على قلبه، فيشجعه على المداومة عليه، فيصير ذلك عليه حائطا يمنعه عن رؤية ما وراء، فيرى في مقابح الذنوب محاسن، فيتخبط في بلايا من دنياه ربما يراها نعماً، فيحسب أن لا وراء اللذات الدنيوية لذة ولا بعد التخصيص بقاء وورائها نعما فهذا معنى:(أحاطت به خطيئته)، وعلى ذلك دل قوله تعالى:{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّه}، وقوله:{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ}، ووجه أخر روى عن السلف وهو إن كان عائداً إلي ما تقدم، فالنظر إليهما مختلف، وهو أن السيئة الكفر، وذلك عن مجاهد وأبي وائل والربيع، فبين تعالى أن من تحرى طريق الكفر، ثم استمر مريرة في ترك الإقلاع إما الترك النظر، وإماما الشرارة، وإماما لشهوة مستولية عليه حتى يصير ذلك كحائط عليه لا خروج له منه، فأولئك أصحاب النار، ومن قرأ (خطيئته)، فاعتبارا بالجنس، ومن قرأ (خطيئاته)، فاعتبارا بآحاد الذنوب وجعلهم أصحاب النار لملازمتهم في الدنيا ما يوجب لهم النار، وهي الآخرة لملازمتهم إياهما إذ كان الصاحب إنما يقال فيمن كثر ملازمته لغيره ...