الماء مطية الأغذية، والأدوية، لركوبها يبلغ أقاصي الأمكنة، وعلى هذه الراعية قال الشاعر:
تغلغل حيث لم يبلُغْ شرابٌ ....
ولا حزنُُ ولمْ يبلغْ سرُورُ
وقال أهل النحو: أريد حب العجل، فحذف المضاف تحقيقاً، ويجب أن يعلم أنه لو قيل حب العجل، لم يكن له من المبالغة ماله بحذفه، لأن فيه تنبيها أن لفرط شغفهم به ثبت صورة العجل في قلوبهم راسخة، وإن زالت ذاته الجسمية، ثم بين أن ذلك [كذلك] بسب كفرهم، لا أنه تعالى ظلمهم به، وما قال السدي وابن جرير أن موسى- عليه السلام- لما رجع إلى [قومه] برد العجل الذي عبدوه، فذراه في اليم، فلم يشربه أحد أحبه إلاً خرج على شاربيه الذهب، وليس ينافي ما تقدم تصورت ذلك حقيقة أم تصورته كناية وإشارة، وقال بعضهم: معنى أشربوا من قولهم: " أشربت البعير " إذا شددت حبلاً في عنقه، قال:
وأشربْتُها الأقران حتى وقصتُاً ...
بقرْحِ وقدْ ألقينَ كلَّ جنين
فكأنما شد في قلوبهم العجل لفرط شغفهم به، فهو راجع إلى الأول تحقيقه وإن خالفه تشبيها وتمثيلاً، ثم بكتهم تعالى بقياس شرطي يدل على إبطال دعواهم الإيمان بالتوراة وهو قوله:
{بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وتقديره: إن كنتم مؤمنين، فإيمانكم أمركم بذلك، وكل إيمان أمر بذلك فإيمان مذموم، وقد ثبت أن الإيمان بالتوراة ليس بمذموم ولا يظهر بالمذموم، فإذا