صفاته ومتخصصاً بالبقاء الأبدي والغنى السرمدي ومنفكاً من الحاجات والنقصانات كلها، فنبه الله تعالى أن هذه الأحوال آيات له ينسخها إلى مثل ما هو كالأول من وجه وخير منه من وجه، ثم بين أنه تعالى قادر على ذلك إذ هو قادر على كل شيء، وقد تعلق الشافعي وأصحابه في قولهم: إن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن بهذه الآية، ووجه ذلك أن قولنا هدا خير من كذا، وأفضل منه يرجع إلى شرفه من ثلاثة أوجه إما إلى فضل موجده، أو إلى جنسه، أو إلى تأثيره، مثال الأول: قولك: أفعال الله أفضل من أفعالنا، ومثال الثاني الملائكة أفضل من الحيوان ومثال الثالث: السيف أفضل من العصا ومثل يقال على ثلاثة معاني لها ثلاثة ألفاظ مماثلة في الجنس، ويقال لها الند مماثلة في الكيفية، ويقال لها الشبه ومماثلة في الكمية، ويقال لها المساواة، وثلاثتها يقال لها مثل، وقد ضمن الله تعالى أنه لا ينسخ آية إلا بخير منها أو مثلها، فالسنة ليست بخير من الآية ولا مثلها في الجنس، إذ جنس القرآن تتعلق به المعجزة وإن أمكن أن يقال: هي مثلها في الوصفين الآخرين، وأما وجه قول مخالفيه، فهو أن الله تعالى وإن ذكر الآية، فإنما أراد حكمها، لأن النسخ لا يكون إلا في الأحكام، فإذا قوله:{بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ليس إلا في الأحكام، فكأنه قيل: " ما ننسخ من حكم الآية إلاً نأت بخير منه أو مثله، فعلى هذا مدار الكلام وتعلق أهل الظاهر بالآية، حيث ذكروا أن الناسخ لابد أنما يكون أخف من المنسوخ، وذهبوا في الخفة إلى ما يستخفه النفس بالطبع، وذلك بعيدا فإن الشريعة مبنية على مخالفة النفس وعلى مجانبة مقتضى الطبع، ولهذا قيل هذا إذا عن أمران، فاشتبه وجه الصواب فتخير أثقلهما على النفس، وعلى هذا قوله تعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.
إن قيل: إذا لم يحمل خبر علي التخفيف فليست الثانية خيراً من الأولي في شي من الأحوال، لأن الأولى في الوقت أصلح وأفضل، والثانية في الوقت أصلح وأفضل، فقد تساويا في عظم المصلحة، وبطل أن يكون الثانية خبرا بأن يكون أثقل وأكثر أعمالاً ليكون أجزل في الأجر وأكثر ثواباً، ومع هذا