لم يكن من قبل الله على التقييد، كقولك:" ملَةُ مزدْكَ وغيرهِ "، والهوى: رأي عن شهوة داع إلى الضلال وسمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وهي الآخرة إلى الهاوية، ولهذا سميت النارُ هاوية، ولشدة سلطانه وصفة الله بأنة إلهُ الكفار، فقال:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}، ومعنى الآية أن من خالفوك لا يرضون عنك إلاً بمتابعة ملتهم تنبيهاً أنه لا يرضيهم إلا ما لا يجوز وقوعه منك، ثم بين أن إتباعهم ليس بهدى، وأن الهدى هو هدي الله، أي إرشاده، كقوله {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي}، ثم حذره فقال:{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ}، وذلك تحذير له ولأمته، ولكن خص بالذكر لأن أنبياء الله، بل أولياءه بأدنى ميل إلى ضال يكونون في حكم تابعي هواهم.
وربما بعد ذلك في جرائمهم الكبيرة ويؤاخذون بما لا يؤخذ غيرهم به، وذلك معلوم في التعارف، فإن من حصل له زلفة متناهية من السلطان لا يتجافى عما يقع منه من أدنى مخالفة كالتجافي عن الأجانب، ولهذا قيل:(كبائر الأولياء صغائر العوام)، وقيل:(فاحشة الأولياء التواني في تعهد الأنفاس، وفاحشة العوام فيما فيه المحدود) وإنما قال: أهواءهم بلفظ الجمع تنبيهاً على أن لكل هوى غير هوى الأخر، ثم هوى كل واحد منهم لا يتناهى، ونحو ذلك قوله:{وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وقوله:{قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}، وقوله للمؤمنين:{وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ}، وقال:{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وذلك تحذير من الهوى جملة، وقد تعلق بهده الآية من يجعل الكفر كله ملة واحدة، لأنه جمع بين اليهود والنصارى، وسمي طريقتهما ملة واحدة ....