للإنسان فعل في الظاهر محمود، ثم لا يكون ذلك الإنسان على الإطلاق محموداً، وإنما قال:) واشكروا لي)، ولم يقل:(واشكروني) علماً بقصورهم عن إدراكه بل عن إدراك الآية كما قال: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} فأمرهم أن يعدوا بعض أفعاله في الشكر له، وشكر الله عز وجل- أصعب عبادة أشرفها، ولهذا قيل: غاية شكر الله الاعتراف بالعجز عنه، فكل نعمة يمكن شكرها إلا نعمة الله، فإن شكرها نعمه منه، فذلك بتوفيقه، فإن العبد محتاج أن يشكر نعمته الثانية كشكره للأولى، وهدا يؤدي إلى مالا يتناهى، فلهذا قيل: لا يقدر عليه، ولصعوبة الشكر قال:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، ولم يثن على أنبيائه وأوليائه بالشكر إلا على أثنين، على نوح حيث قال:{إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، وعلى إبراهيم حيث قال:{شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ}، فذكر ذلك بلفظ أدى العدد تنبيهاً على شرف هذه المنزلة وصعوبتها ...
إن قيل: علم عطف قول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}؟
قيل: على قوله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}، وذلك أنه لما أمرنا باستقبال القبلة، وبين العلة وأنه يريد أن يتم نعمته عليكم كما أنعم ببعثته رسوله أعاد النظم الذي هو الأمر، فأمر بالذكر الواجب بعضه في الصلاة، وبعضه في غيرها، وإن قيل: ولم قال بعده: {وَلَا تَكْفُرُونِ} ولم يقتصر على أحد اللفظين؟ قيل: لما كان الإنسان قد يكون شاكراً في شي ما، وكافرا في غيره، فيصح أن يوصف بهما على حسب النظر إلى فعليه، فلو اقتصر على قوله:{وَاشْكُرُوا لِي} لكان يجوز أن يتوهم إن من شكره مرة أو على نعمة ما فقد امتثل، ولو اقتصر على قوله:{وَلَا تَكْفُرُونِ} لكان يجوز أن يتوهم أن ذلك نهى عن تعاطي قبيح دون حث على الفعل الجميلة فجمع بينهما لإزالة هده الشبهة، ولأن في قوله: