ما كان خفياً عن الحاسة هما كان أو غيره، والدبيب أصله حكاية صوب المشي، ثم قيل: دب إذا مشى، ويقال لكل ما يمشي دابة، وتم خص بالفرس، والدب خص بضرب من السباع، وأن الدبة والدبدبة فاعتبارا بصوتهما، والتصريف: صرف الشيء من وجه إلى وجه، وصريف الباب منه، لكن اعتبر فيه الصوت، فبني بناء الأصوات كالنهيق والشهيق وغير صارف تصرف الفحل إلى نفسها بإظهار شبقها، والصرف والصريف المصروف عن الكدورة، لكن خص الصريف باللبن والصرْف بسائر الأشربة، وقوله:(وتصريف الرياح) يجوز أن يكون تقديره: تصريف الله الرياح، وأضيف إلى المفعول، وتصريف الرياح والسحاب، فيكون مضافاً إلى الفاعل والسحب جر الثوب، والسحابة هو لما تجره الريح، والتسخير القهر علي الفعل وهو أبلغ من الإكراه، فإنه حمل الغير علي الفعل بلا إرادة منه على وجه كامل الرحى على الطحن،
إن قيل: لم جمع السماء وأفرد الأرض في كل القرآن؟
قيل: لأن السماوات لما كانت في الحقيقة سبعاً وطبائعها مختلفة على ما ذكر أصحاب هذه الصناعة، وكل واحدة مستمدة القوة مما فوقها ومعطية ما دونها، والأرض وإن كانت سبعاً، فليس على ذلك الوجه، لأنها بالأقاليم لا بالطبقات المتراكمة تراكب السماء وطبيعتها واحدها، ولهذا قال:{وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} فترك اللفظ مفرداَ، ونبه بمثلهن على العدل الذي يعد به الأقاليم، وإنما ذكر هاهنا لفظ الخلق، لأنه مشتمل علي الإبداع والصنع والتسخير، وخص فعل الله تعالى بذلك لكونه موضوعا للتقدير المقتضي للأحكام، وهو تعالى أحد الحاكمين، ونبه تعالي على وحدانيته بالتفكر في الموجودات وذكر من آياته مالا يخفى أمر صنعته على ذوي الحواس والعقول ليستدل به كل على قدر فهمه ويقف منه على معارف بمبلغ علمه.
إن قيل: كان الوجه أن يعقد ذكر السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار بتصريف الرياح والسحاب التي هي من آثار الجو ومختصة بفعل الله- عز وجل-، ثم يعرج على ذلك الفلك التي هي