سبيل الفكر والمعنى: أصاب الله تعالى حبة قلبه، فجعلها لنفسه مصونة عن الهوى والشيطان وسائر أعداء الله، والمحبة إرادة ما تراه أو تظنه خيراً، وهي أربعة أضرب بحسب أعراض الناس في أمورهم، اللذة، والنفع، والخير المحض، والمركب من اللذة، والنفع [لمحبة المغني له والمغني بعضهما لبعض]، وكل محبة ينقطع سببها انقطعت بانقطاعها، ولما كانت الشهوات البدنية والمنافع الدنيوية منقطعه، فالحب الذي يجلبانه منقطع لا محالة بانقطاعهما، ولما كان الخير المحض باقياً، كان الحب الذي يجلبه باقية ببقائه، ولما بين تعالى توحيده والدلالة عليه ذكر بعد أن مع ظهور الآيات المنبئة عنها من الناس من يتخذ نداً لنفسه بحبه، ويراعيه مراعاة الله تعالى ثم نبه بقوله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} أن محبتهم لأندادهم منقطعة، فإن أسبابها المقتضية لها منقطعة، ومحبة المؤمنين له دائمة، إذ هو دائم والند المشار سواء كان صنماً معبوداً أو رئيساً مخدوماً، أو مالاً منعقداً، أو إنساناً معشوقاً، فإن كل ذلك محبوب لن يراعيه من وجه ومعبود من وجه ثم بين بقوله:(ولو ترى) ما أعد هم من العذاب الأليم، فإذا قرئ بالياء، فإن ما بعده هو مفعول يرى وجواب " لو " محذوف، وقيل: إن القوة مفعول الفعل المحذوف الذي هو جواب، كأنه قيل: لرأوا أن القوة لله جميعاً، وإذا قرئ
بالتاء، فخطاب النبي على طريق التعظيم، ومعناه: أنك مع علمك بأحوال القيامة لو رأيت لتعجبت، وقوله:{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}، قيل: هو بدل من الذين، وهو ضعيف وقيل: هو مفعول الفعل المقدر للجواب، وقيل: تقديره: لأن، وقد قرئ إن مكسورة ولا يكون إلا علة والمفعول محذوف.