لهذه الفضيلة العظيمة (قيل: إن الله- عز وجل- ما خلق في الأرض وشهاه إلينا ليحرمناه، ولكن لينتفع به بقدر ما يحسن، وفي وقت ما يحسن، وألزمنا في بعض الأوقات التحرج عنه ليكون مدعاة إلى التعفف عن تناول مالا يجوز تناوله، وجعل الله تعالى فرضه على الأهلة ليتأدب الإنسان به في كل وقت من أوقات السنة صيفا وشتاء وربيعين ...
إن قيل: على ماذا وقع التشبيه في قوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} قيل: قال بعضهم: إن ذلك على الصوم وكيفيته، لأن صوم من قبلنا لم يكن يحل لهم ألاكل بعد الرقاد، وكان على هذا في بدء الإسلام إلى أن نسخ بقوله:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، وإلى هذا ذهب معاذ، وهو المروي عن ابن عباس- رضي الله عنه- وقيل: كصوم من فبلنا في كونه أياما معدودات، وذلك في كل شهر ثلاثة أيام، ثم نسخ بقوله:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وهو قول عطاء وقتادة، وردي عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أن للصيام ثلاثة أحوال، وذلك أن النبي- عليه السلام- لما قدم المدينة، فكان يصوم في كل شهر ثلاثة أيام، ويصوم عاشوراء، ثم فرض بعد تسعة عشر شهراَ شهر رمضان على التخيير، ثم فرضه على تضييق لمن كان مقيما صحيحاً، وقيل:
قد كان أوجب شهر رمضان على من كان قبلنا [من الأمم] فغيروا، ونقصوا، وزادوا، وهذا قول عهدته علي قائله، وقيل.
الشبه وقع لوجوب الصوم فقط، وقد تقدم أن أصول هذه العبادات لم تزل واجبة على العباد وأن النسخ على ألسنة الأنبياء في فروعها وكيفياتها وقدرها [وأزمانها]، ونبه بقوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} على العلة التي لأجلها أوجب، وهي قمع الشهوة، وما لأجلها لا يجوز أن يكون الصوم مرفوعاً على أمة من الأمم، فإنه ذكر أنه سبب للتقوى، وتقوى الله عز وجل- واجبة